أصبحت دولة السلاجقة ممالك موزعة ممزقة، وكل أمير فيها يحسد أخاه، والإخوة أبناء السلطان الواحد يتقاتلون على الملك؛ حتى بلغ الحال أن أي مدينة من المدن -ولاسيما المدن الكبرى في بلاد الشام أو العراق- أصبحت دولة أو سلطنة؛ فـحلب دولة، ودمشق دولة، والموصل دولة، وطرابلس دولة وهكذا أصبحت كل منطقة أو مدينة دولة؛ مع أن بعض السلاطين كانوا أبناء رجل واحد.
وكان هؤلاء السلاطين على تحاسد وتباغض وشحناء، وعلى انغماس في الشهوات والملذات، وكانت آثار ذلك كله واضحة عندما قدم الصليبيون.
قد تستغربون إذا علمتم أن الصليبيين الذين وصلوا إلى الشرق الإسلامي وإلى بلاد الشام كانت أعدادهم قليلة.. كان المقاتلون بضعة ألوف من الفرسان والمشاة فقد! ومع ذلك فعلوا ما فعلوا؛ معرة النعمان وحدها قتلوا فيها أكثر من مائة ألف من المسلمين، وغيرها من المدن كذلك، وما كان ليحصل هذا إلا في ظل هذا التشرذم والتراخي والتحاسد.
وحين وصل الصليبيون ود كثير من الحكام أيديهم إليهم للتحالف معهم، وسلموا لهم القلاع والمدن؛ بشرط واحد هو: أن يعترفوا بهم حكاماً على تلك المدن، وبعد أن اعترفوا ببعضهم، واشتد ساعد الصليبيين، أرادوا أن يحتلوها؛ فرضي أولئك الحكام أن يدفعوا لهم الجزية.
والأمثلة على هؤلاء الحكام كثيرة، نذكر منهم:
· صاحب حلب رضوان: وهو مشهور بموالاته للصليبيين، وللباطنيين أيضاً؛ حتى إنه كان في آخر أمره يدفع أكثر من عشرين ألف دينار من الذهب كجزية للصليبيين دون أن يتحد أو يتعاون مع أي إمارة من الإمارات الإسلامية، أو مع إخوانه السلاطين الآخرين لجهاد الصليبيين، وقد كانوا قادرين على ذلك.
· وكذلك معين الدين أنر صاحب دمشق : وهو رجل غريب جداً، كان يوالي الصليبيين ويحالفهم ويراسلهم، بل ويدلهم على عورات المسلمين... وهكذا، وهناك أمثلة كثيرة؛ لكن تكفينا منها هذه الإشارات العابرة.